الملكية Property مفهوم مجرد abstract في الحضارة البشرية تطور عبر السنين. فاليوم في معظم دول العالم، عندما يمتلك أحدهم عقارا كأرض بيضاء مثلا، لا يحتاج أن يحميها بنفسه من أن يعتدي عليها الآخرين، بل يكفي أن يكون لديه صك ملكية للأرض. وعلى ذلك يحق لمالكها التصرف فيها كما يشاء (حسب القانون طبعا)، مثل بيعها، وتأجيرها، أو مشاركتها، أو التخلص منها (مثل هدم البناء عليها في هذه الحالة).
تطورت القوانين التي تحمي الملكيات الفردية عبر السنين، ولا أريد في هذه المقالة الخوض في تطور الملكية بشكل عام، ولكن أود التأكيد على أن التطورات عبر الزمن كانت في الملكية للأمور المادية الملموسة ملكية السيارات، الأراضي، أو حتى الأمور التي لا وجود مادي حقيقي لها مثل الأموال المحفوظة في حاسبات البنوك. ولكن حديثا، ظهر نوع مختلف جوهريا من الملكية وهو الملكية الفكرية Intellectual Property، مثل حق الناشر أو المؤلف في التصرف بإنتاجه الفكري مثل الأفلام السينمائية، المقالات (مثل هذه المقالة)، الإختراعات، العلامات التجارية. الإختلاف الجوهري بينها وبين الملكية المادية هي قابلية النسخ بسهولة، صحيح الأموال ممكن تنسخ إذا كانت مجرد أرقام على حاسبات، لكن النسخ هنا لا يقدر عليه إلا البنوك ومن له صلاحية الوصول لهذه الحاسبات فأنت لا تستطيع نسخ أموالك في البنك، بعكس المنتجات الفكرية مثل المقالات والأفلام وغيرها التي يمكن نسخها بسهولة من المستخدم النهائي. وأيضا يمكن تقليدها، ويمكن الإستفادة من الإنتاج الفكري الذي تعب عليه شخص لسنوات طويلة في وقت قصير بإضرار على المالك. وعلى ذلك، هذه المنتجات الفكرية يتطلب التعامل معها نوع مختلف من القوانين لحفظ حقوق الجميع. في هذه المقالة أتكلم عن أهمية الملكية الفكرية، وما هي الحالات التي تعتبر غالبا إنتهاكا للملكية الفكرية مع أنها شائعة جدا خاصة في الدول العربية. أيضا سأذكر بدائل للمحتوى العلمي المحفوظ بمقابل مادي خاصة للطلاب. والجهود في السعودية لحماية الملكية الفكرية. وأركز بشكل خاص في هذه المقالة على حقوق النسخ copyrights.
ما هي الملكية الفكرية؟
الملكية الفكرية مفهوم شامل لجميع أنواع الملكيات التي تتعلق بالإنتاج الفكري، وبشكل عام، يمكن تقسيم الملكية الفكرية لأربع أقسام:
- الأسرار التجارية Trade Secrets: مثل الوصفات السرية، مثال وصفة كوكاكولا، هذه تعتبر ملكية فكرية، ولا يجوز كشفها بدون إذن مالكها، فهنا حق المالك بعدم إطلاع الآخرين عليها. لأن إطلاع الآخرين عليها يضر بالمالك الذي تعب عليها.
- العلامات التجارية Trademarks: مثلا العلامة التجارية لشركة مرسيدس، لا يحق لشخص أن يستخدمها بدون إذن مالكها، فهي لها معنى أعمق من مجرد كونها رسمة، فهي تعكس مفهوم معين اسمه “مرسيدس”. لذلك تحمى العلامة التجارية من الاستخدام بغير ما يسمح به النظام والمالك. فاستخدام علامة تجارية بدون إذن مالكها قد يضر بالمالك وبالمجتمع، مثلا تخيل فقط لو شخص صمم جوال بدائي ووضع عليه شعار شركة Apple؟ أو أي جوال تعتقد أنه جيد.
- الإختراعات Patents: الإختراعات تنشر في الغالب ويعرف كيف يعمل نظام أو جهاز معين، ولكن إذا كان منتج ما محميا ببراءة إختراع، من المفترض عدم استخدام هذه الإختراع في منتج آخر بدون إذن المخترع. فالإختراع عملية تأخذ وقت طويل في الغالب، وكثير ما يكون المخترع ليس لديه القدرة في الإستفادة من إختراعه لعدم وجود المادة. لذلك حماية حقوق المخترعين تساهم في زيادة الإختراع بأن يبيع جزء أو كل إختراعه على جهة لديها القدرة على إنتاجه.
- حقوق النسخ Copyrights: وهذا ما أركز عليه في هذه المقالة. تختلف حقوق النسخ عن الأقسام الثلاثة السابقة في أنه يحق للشخص أن يستخدم منتجا ما مثل المقالات، الفيديوات وغيرها، سواء كان مجانيا (مثل هذه المقالة) أو بمقابل (مثل معظم الأفلام السينمائية). لكن لا يحق له بشكل مطلق نسخ المنتج الفكري، بل عليه قيود. فمثلا كونك تقرأ مقالة مثل هذه لا يعني بالضرورة أنه يحق لك أن تنسخها وتعيد نشرها في مكان آخر، سواء بمقابل مادي أو بدون مقابل. لأن حق النسخ مكفول للناشر والمؤلف بغض النظر عن قيمة المنتج.
لماذا الملكية الفكرية مهمة؟
حماية الملكية الفكرية في الواقع ونظريا المفترض أنه يزيد من الإنتاج الفكري مثل الإختراعات والمنتجات (سواء المفيدة أو الضارة)، الأفلام، الروايات المكتوبة، المقالات وغيرها. السبب بسيط أن حماية هذه المنتجات الفكرية من الإنتهاك يحفز الناشرين والمؤلفين على الإنتاج. وعلى ذلك يساهم في التطور الاقتصادي ومن ثم الرفاهية الاجتماعية. فمعظم الشركات إن لم يكن كلها إما تقدم منتجات أو خدمات، وغالبا هذه المنتجات مبتكرة خاصة في العصر الحديث. معظم الجهود تكون في عملية التصميم، وليس في الإنتاج النهائي. مثلا الجوال معظم التعقيد فيه في التصميم أكثر من المنتج والمواد الخام. فلو حصل أحدهم بطريقة ما على تصاميم الجوال كاملة من الشكل الخارجي البسيط إلى أدق التفاصيل، نظريا المفترض يستطيع إنتاج الجوال مرة أخرى بمبلغ قليل قد يضر بالمنتج الرئيسي الذي كلفته عملية التصميم الكثير.
ذكرت بشكل مختصر مثال في كل قسم من أقسام الملكية الفكرية وأهمية حماية الملكية الفكرية المتعلقة بالقسم. لكن لم أتحدث عن حقوق النسخ. ربما يكون واضحا لماذا نحمي العلامات التجارية والإختراعات والأسرار التجارية. لكن لماذا حقوق النسخ؟ لماذا يوجد قوانين تعطي حق نسخ فلم أو مقالة سواء كانت مجانية أو بمقابل؟
لتسهيل فهم أهمية حقوق النسخ: كناشر أو مؤلف، عمل لوقت معين على منتج ما (مثل فلم أو مقالة) في النهاية له الحق في نشرها في المكان المناسب، سواء بمقابل أو بدون مقابل. أنا مثلا اخترت أن أنشر هذه المقالة على موقعي لأي سبب كان لا يهم. بعد النشر، ممكن الإطلاع على المقالة أو الفلم أو أي كان المنتج في المكان الذي نشر فيها (مرة أخرى سواء بمقابل أو بدون). مثلا فلم صراع العروش Game of Thrones اختار المنتجون نشره على شبكة HBO بمقابل مادي بالتفاهم مع الشبكة. الآن عندما ينسخ أحدهم الفلم أو المقالة وينشرها في مكان آخر، هنا أضر بالناشر الأصلي، حتى لو كان النشر بدون مقابل. لأن هناك أسباب عديدة تجعل الناشر يحتفظ بحق النسخ وليس مطالبا بأن يبرر أو يوضح ذلك، فهو حقه.
باختصار الابتكار التقني والإبداع الفكري مثل الإنتاج الأدبي والفني إذا لم يكن هناك نظام قوي يحمي الملكية الفكرية فلن يتطور ويتقدم كما نراه اليوم. الأرقام والتحليلات تقول أن أكثر الدول إنتاجا للفكر هي أكثرها حماية لحقوق الملكية الفكرية.
حالات شائعة لإنتهاك حقوق الملكية
بداية، أوضح أنه في معظم دول العالم إن لم يكن كلها، بشكل تلقائي حقوق النسخ محمية بدون أن يذكر المؤلف والناشر صراحة ذلك. فهناك حسب ما أرى إعتقاد شائع بأن على المؤلف أن يذكر صراحة أن مؤلفاته محفوظة وإلا فهي ليست كذلك. ولكن في الواقع الأصل أن حقوق نسخ المؤلفات الفكرية محفوظة بشكل تلقائي، وما يكتب في كثير من المؤلفات أن حقوق النسخ محفوظة فقط للتأكيد، وكثيرا ما يكتب أن الحقوق متنازل عنها أو نشر المنتج تحت رخصة أخرى غير المعمول بها في البلد مثل رخص المشاع الإبداعي Creative Commons التي توضح الحقوق التي يتنازل عنها المؤلف أو الناشر في منتجه. لكن في حالة عدم وجود تنازل صريح، فحق النسخ محفوظ حسب نظام البلد. وعموما معظم البلدان لديها نفس القوانين في حماية حقوق النسخ وتختلف في تفاصيل بسيطة.
قد تلاحظ في الشبكات الاجتماعية انتشار نشر فيديوات مترجمة مثلا، بل أيضا يضيف من أعاد النشر حسابه على الفيديو حتى لا ينسخه شخص آخر بدون أن يعرف المترجم. في الواقع غالبا مثل هذا الشيء يعتبر إنتهاكا لحقوق الناشر، حتى لو ذكر المترجم أن هذا الفيديو تم ترجمته من الفيديو الفلاني للمؤلف/الناشر الفلاني. لأن باختصار لا يحق لشخص نسخ أي منتج فكري إلا حسب القانون الذي يسمح في حالات مثل الاستخدام الشخصي (مثل أن تصور أوراق من كتاب وتحتفظ بها لنفسك)، أو الإستشهاد بمعلومة ما (أن تنسخ أو تعيد صياغة جزء بسيط من المحتوى الأصلي)، وليس أن تعيد نسخ الفيديو كاملا بدون إذن الناشر. فمثلا عندما يضيف أحدهم نص عربي كترجمة لفيديو بالإنجليزية ويعيد نشره في حسابه الخاص. هنا أضر بالناشر الرئيسي (حتى لو نشره الناشر الرئيسي بدون مقابل) بأنه جعل مجموعة من المستخدمين يصلون للمحتوى عن طريق حساب الناسخ وليس الناشر.
أيضا، رفع الكتب على الإنترنت غالبا يعد إنتهاكا لحقوق النسخ، حتى لو لم يستفد من رفع الكتاب بشكل أو بآخر. لأن الكتاب قيمته ليست فقط في الورق (غالبا الورق لا يكلف شيئا)، لكن قيمته في الجهد الذي بذله الناشر والمؤلف في المحتوى والإخراج والضبط اللغوي وغيره، فعندما يعيد أحدهم نشر كتاب بدون إذن الناشر، يسبب ذلك ضرر على الناشر بعدم الإستفادة منه.
الوصول إلى المحتوى العلمي المحمي بحقوق النسخ
معظم الأوراق العلمية محمية بحقوق النسخ والوصول لها يكون بمقابل مادي قد يكون مكلفا على الطلاب. الأوراق العلمية تمر بمراحل عديدة، بداية من المؤلفين الذي عملوا لفترات طويلة حتى يصلوا للنتائج، ثم بالناشر الذي يكلفه الكثير نشر ومراجعة الأوراق العلمية، وهي في الغالب ليست لأغراض ربحية بل لتغطية التكاليف. ولكن قد تكون مكلفة على الطلاب الذين ليس لديهم دخل كافي لشراء حق الوصول للأوراق العلمية.
لكن، معظم الجامعات في العالم وفي السعودية خاصة لديها اشتراكات مدفوعة في معظم قواعد المعلومات التي تحتوي أوراق علمية. ويمكن لأي من منسوبي الجامعة بما فيهم الطلاب الوصول لقواعد المعلومات هذه غالبا يكفي أن يكون الشخص متصلا بالإنترنت عن طريق الجامعة. أيضا، يمكن التواصل مع الجامعة نفسها (غالبا عمادة شؤون المكتبات) للمساعدة. أيضا توفر الجامعة الكتب العلمية غالبا بشكل مجاني لمنسوبيها للإستعارة، وكثير من الجامعات لديها خدمة الإستعارة من مكتبات أخرى في حالة عدم توفر المنتج.
أيضا يمكن التواصل مع المكتبات العامة للمساعدة في الوصول لمحتوى علمي غير مجاني. ويوجد خدمة للباحثين في المملكة بما فيهم الطلاب تقدمها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست KACST) وهي طلب استقصاء معلومات أو طلب وثائق، يمكنك مراجعة موقعهم من هنا.
الجهود في السعودية لحماية حقوق الملكية الفكرية
اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية بالعلم والمعرفة والآداب والثقافة، وهذا الجانب مذكور صراحة في النظام الأساسي للحكم. وعلى ذلك، أقرت الأنظمة ذات العلاقة بحماية حقوق الملكية الفكرية مثل نظام حماية العلامات التجارية، نظام حماية حقوق المؤلف، ونظام براءات الاختراع. ومعظم هذه الأنظمة موجودة قديما (بعضها عدل بشكل بسيط). وأنشأت كذلك مؤسسات أو أقسام في مؤسسات تعنى بحفظ حقوق الملكية الفكرية، مثل وزارة الإعلام، ووزارة التجارة، ومكتب براءة الإختراع السعودي بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست KACST).ونظرا لما تشهده المملكة من تطور سريع في السنوات الأخيرة خاصة في الجانب الاقتصادي مدفوعا برؤية 2030، فقد أُستحدثت هيئة باسم الهيئة السعودية للملكية الفكرية في عام 2017 تعنى بحماية الملكية الفكرية كأحد المبادرات لمنظومة التجارة والاستثمار ضمن برنامج التحول الوطني 2020. والهيئة الآن نقل لها الاختصاص من جميع الجهات التي كان لها علاقة بحماية الملكية الفكرية، فمثلا، انتقل مكتب براءة الإختراع السعودي من كاكست ليكون تحت إدارة الهيئة، ولمزيد من المعلومات عن الهيئة راجع نظامها هنا.