كثير ما تسمع عن الأبحاث العلمية، مراكز الأبحاث، باحثين، علماء، وغيرها. ولكن هل فكرت يومًا ما هي الأبحاث العلمية؟ وكيف تتم؟ ولماذا يقوم الناس بها؟ وما هي طبيعة عمل الباحث في المجال العلمي؟
البحث العلمي بشكل مبسط هو العمل على تطوير المعرفة في مجال علمي معين، سواء لمجرد الاكتشاف، أو لحل مشكلة تطبيقية معينة.
يمكن تقسيم البحث العلمي بشكل أساسي إلى قسمين: البحث الأساسي أو المبدئي (Basic or Pure Research)، والبحث التطبيقي (Applied Research).
الإختلاف الرئيسي بينهما أن البحث الأساسي الغرض منه هو الإكتشاف هو زيادة المعرفة في مجال ما بدون وجود تطبيق معين، مثل البحث في سبب ظواهر معينة مثل شروق الشمس وغروبها وتغير فصول السنة (فلك)، طبيعة والهدف من النوم لدى الإنسان وبعض الكائنات الحية (علم نفس وأحياء)، وما هي الثقوب السوداء وتفاصيل تركيبها (فيزياء وعلم كونيات Cosmology).
أما الأبحاث التطبيقية فهي لغرض معين ومحدد ولحل مشكلة موجودة، مثل زيادة كفاءة استهلاك بطارية الجوال بنسبة معينة، أو زيادة كفاءة إنتاج ألواح الطاقة الشمسية، أو حل مشكلة الزحام في منطقة معينة بأسلوب علمي.
غالبًا الأبحاث الأساسية تأخذ وقت طويل مقارنة بالأبحاث التطبيقية، ويستفاد منها تطبيقيا بعد فترة طويلة، لكن تأثيرها أكبر بكثير سواء على الجانب التطبيقي أو زيادة الحصيلة المعرفية، وتؤدي إلى قفزات علمية كبيرة، ولكن يحصل ذلك خلال فترة طويلة. على سبيل المثال، النظرية النسبية العامة والخاصة، تعتبر ناتجة عن أبحاث أساسية، ولم يكن في بال ألبرت إنشتاين صاحب النظرية أن تأثير أبحاثه سينعكس على كثير من التقنيات التي نملكها اليوم، مثل كل ما يتعلق بالأقمار الصناعية مثل نظام تحديد المواقع العالمي GPS، والبث التلفزيوني. فضلا عن جميع تقنيات الفضاء مثل المكوك الفضائي، والسوابر وغيرها.
مراكز الأبحاث هي الجهات التي تنفذ الأبحاث العلمية أو تدعمها، وغالبا ما تقوم هذه المراكز بالعمل على النوعين من الأبحاث العلمية (التطبيقية والأساسية) مع تفضيل جانب على آخر بحسب طبيعة المركز، فمراكز الأبحاث التي تتبع أو تدعم من قبل الحكومات والجهات غير الربحية غالبا ما تقوم بأداء الأبحاث الأساسية أكثر من الأبحاث التطبيقية، بينما مراكز الأبحاث في الشركات يكون تركيزها أكثر على الجانب التطبيقي، وتوجد في العديد من الشركات أقسام البحث والتطوير Research and Development (R&D). وتركز مراكز الأبحاث على مجال محدد، فبعض مراكز الأبحاث تعمل على الأبحاث الطبية، وبعضها على الحاسبات، وأخرى في مجال الطاقة. ومعظم مراكز الأبحاث في العالم تكون تابعة للجامعات.
يوجد مراكز أبحاث متخصصة بشكل عميق، مثل مركز أبحاث متخصص في الخلايا التائية T Cells (خلايا دم بيضاء مسؤولة عن المناعة)، او مركز متخصص في الذكاء الصناعي (أحد فروع علوم الحاسب)، ومراكز أبحاث أخرى تكون أكثر شمولية، مثل مركز أبحاث فضاء، أو مركز أبحاث المياه، مركز أبحاث الطاقة وغيرها.
أهم ما يميز الأبحاث العلمية هو تطبيقها للمنهج العلمي (Scientific Method)، والذي قد أتحدث عنه لاحقًا، ولكن هو باختصار مجموعة من الآليات والتقنيات والطرق لفحص معلومة معينة أو لإكتشاف ظاهرة معينة، وهي عبارة عن خطوات معينة، مثلا يبدأ الباحث بوضع فرضية معينة لتفسير ظاهرة معينة، ثم يقوم بتصميم أو عمل تجربة لاختبار هذه الفرضية مع وجود كثير من الشروط مثل قابلية إعادة التجربة أكثر من مرة، ومدى عمومية التجربة وذلك لتجنب الأخطاء التي قد تقع أثناء إجراء التجارب. وجميع الأمور والفرضيات التي لا يمكن إختبارها فهي لا تخضع للمجال العلمي.
نتائج الأبحاث العلمية تكون على شكل أوراق علمية Scientific Papers غالبا ما يتم نشرها (إلا إذا كان البحث سري) في مؤتمرات متخصصة Conferences أو دوريات (مجلات) علمية Journals في مجال البحث لمشاركتها مع الآخرين حول العالم، وتقوم هذه المجلات والمؤتمرات بتقييم الأبحاث قبل الموافقة على نشرها، وتختلف المجلات والمؤتمرات بدرجة قبولها للأبحاث، فيوجد كثير من المؤتمرات والمجلات التي لا تقبل إلا الأبحاث القوية والتي لها مساهمة كبيرة في المجال العلمي، مع التدقيق الشديد جدا على المنهجية العلمية التي اتبعها الباحث (أو الباحثين) وكيفية اختبار الفرضيات والاستنتاجات وتعريضها لما قد يناقضها، إضافة إلى مراجعته للأبحاث المشابهة ومدى إضافة البحث عليها.
يوجد عدة جهات تقوم بتصنيف المجلات والمؤتمرات العلمية، ولعل أشهرها هو Institute for Scientific Information المشهور بـISI، وتهدف إلى تصنيف المجلات والمؤتمرات العلمية من عدة نواحي، مثل مدى تأثير الأبحاث المنشورة فيها وذلك بقياس عدد الأبحاث الأخرى التي تقتبس أو تشير إلى بحث معين منشور في المجلة أو المؤتمر، والمعروف بمؤشر الإقتباس أو الإستشهاد (Citation Index). فالمجلات أو المؤتمرات التي تنشر الأبحاث بعد تدقيق شديد، يخرج منها أبحاث قوية لها تأثير قوي على المجال العلمي، مما يجعل الأبحاث الأخرى تأخذها كمرجع.
طبيعة عمل الباحثون في المجال العلمي تختلف بإختلاف التخصصات والمهام المسندة إليهم، ولكن في المجمل يقوم الباحثون بالإطلاع على الأبحاث المتوفرة في مجال مشابه، والقيام بالتجارب العلمية لاختبار أبحاثهم واستنتاجاتهم، إضافة إلى العمل الذهني المجرد، وهو التفكير في حل مشكلة معينة أو في ظاهرة معينة أو طرق أخرى للتجارب أو لتحسين البحث.
في معظم الأحيان تكون الأبحاث على شكل مشاريع بحثية مدعومة ماديًا من قبل الجهات المشرفة عليها، وينفق هذا الدعم المادي على متطلبات الأبحاث مثل الأجهزة والتدريب ومكافآت تشجيعية للباحثين، إضافة إلى الأمور الأخرى مثل رسوم المؤتمرات وغيرها. ورغم أن الأبحاث العلمية في الغالب مكلفة مادية إلا أن مخرجاتها يعود بالفائدة المادية الكبيرة على الإقتصاد، وموضوع الأبحاث العلمية ومردودها الإقتصادي أفكر أن أكتب عنه تدوينة خاصة بشكل مفصل.
هذا بإختصار البحث العلمي بشكل عام، وسأحاول من فترة لأخرى الكتابة بشكل مفصل عن أحد النقاط التي ذكرتها.